العمل الخيري في أوقات الأزمات

خمس طرق لتحسين سبل تقديم المنح عند وقوع الكوارث.

يوصي هذا الدليل الإرشادي بإدخال خمسة تعديلات رئيسية بهدف جعل عملية تقديم المنح أكثر ملاءمة في حالات الاستجابة للكوارث. كما يقدم أفضل الممارسات فيما يتعلق بتوقيت المنح وكيفية إدارتها في ظل الظروف الاستثنائية التي تفرضها الأزمات.

الدروس المُستخلصة

  • بالقيمة الدولارية المطلقة، لا يزال العمل الخيري المرتبط بالكوارث يمثل نسبة ضئيلة فقط من إجمالي العطاء المؤسسي، على الرغم من أن متوسط القيمة الدولارية للعطاء المرتبط بالكوارث قد ارتفعت بنسبة 69 بالمئة بين عامي 2016 و2018. لا يستلزم الانخراط في العمل
  • الخيري في حالات الكوارث إخراج استراتيجية العطاء الطويلة الأمد عن مسارها. بل في واقع الأمر، يمكن للعمل الخيري - في حال تم تنفيذه على نحو جيد – أن يعزز التأثير الملموس لمجموعة الأعمال الخيرية بأكملها.
  • يتعين على الجهات المؤسسية المانحة النظر في إعداد استراتيجية للعطاء المحدد بالوقت من شأنها ليس فقط تقديم الدعم في وقت مبكر من وقوع الكارثة، بل مواصلة تقديمه طوال فترة التعافي.
  • القواعد الخمسة الأساسية (The five Fs) لسياسة إدارة المنح أثناء الاستجابة للكوارث هي: التعجيل في ترسية العقود، وتيسير عملية تقديم المنح وإدارتها، وتوفير التمويل المرن، والإفصاح التام عن هبات مؤسستك، وتقديم الدعم للأنشطة التطلعية.
  • يسمح تيسير إجراءات الحصول على المنح للجهات المستفيدة بتوجيه وقتها للتصدي للمسائل العاجلة المطروحة.
  • تتطور حالات الكوارث بسرعة فائقة وتتطلب القيام باستجابات سريعة يسهل تحقيقها من خلال توفير التمويل المرن.
  • يساهم تبادل المعلومات بشأن مجالات تدفق التمويل في مساعدة الأقران داخل مجتمع الجهات المانحة على ضمان تقديم هباتهم حيث تشتد الحاجة إليها.
  • على الرغم من أن الحكومات والسلطات المحلية تتصدر في العادة جهود الاستجابة للأزمات منذ بدايتها، إلا أنه يمكن للأعمال الخيرية توفير الدعم اللازم خلال دورة الحياة الكاملة للاستجابة للكوارث.

 

مقدمة

هل تعتقد أن النشرات الإخبارية تسلط الضوء على الأحداث الكارثية الآن أكثر مما كان عليه الأمر قبل سنوات؟ لست وحدك من يعتقد ذلك، إذ تضاعفت الأزمات الإنسانية بسبب ازدياد الظواهر الجوية المرتبطة بتغير المناخ وتزايد وتيرة النزاعات المسلحة والصدمات الاقتصادية التي تتسبب بحدوث الهجرات الجماعية.

وبالقيمة الدولارية المطلقة، لا يزال العمل الخيري المرتبط بالكوارث يمثل نسبة ضئيلة فقط من إجمالي العطاء المؤسسي، مقارنة بقضايا أخرى كالتعليم والتنمية الاقتصادية والرعاية الصحية. مع ذلك، ونظراً لتزايد حدة ووتيرة الأزمات الإنسانية، فقد ارتفع متوسط القيمة الدولارية للعطاء المرتبط بالكوارث بنسبة 69 بالمئة من بين عامي 2016 و2018 متجاوزاً نمو أي فئة أخرى من فئات العطاء. ويميل العطاء المؤسسي في هذا المجال إلى التركيز على التخفيف من آثار الكوارث الطبيعية، مثل العواصف والفيضانات، مع توجيه تمويل أقل نحو الأوضاع الإنسانية كالنزاعات المسلحة.

وخلال حدوث أزمة ما، يمكن للعمل الخيري المؤسسي أن يساهم في سد الثغرات في استجابة الحكومات، كما يعمل بمثابة شريان حياة بالغ الأهمية لمنظمات المجتمع المدني التي تعمل على الخطوط الأمامية. وفي حين أن العمل الخيري في حالات الكوارث يعد غير مخطط له بحكم طبيعته، إلا أن الانخراط فيه لا يستلزم إخراج استراتيجية العطاء الطويلة الأمد عن مسارها. بل في واقع الأمر، يمكن للعمل الخيري- في حال تم تنفيذه على نحو جيد– أن يعزز التأثير الملموس لمجموعة الأعمال الخيرية التي تقوم بها بأكملها.

المبادئ الأساسية

الجدول الزمني للمنح أثناء الكوارث

ينفذ نصف جميع الأعمال الخيرية في حالات الكوارث خلال الأسابيع الأربعة الأولى من الأزمة، بينما ينفذ 70 بالمئة منها بعد مرور شهرين على وقوع تلك الأزمة. وينضب العطاء إلى حد كبير بعد مرور ستة أشهر، عندما يسقط الحدث من جدول النشرات الإخبارية ويختفي عن أنظار مجتمع المانحين. وعلى الرغم من أنه يتعين تقديم العطاء الأولي أثناء الكارثة على ًبشكل ًعاجل، يجب على الجهات المؤسسية المانحة أن تتذكر أن التعافي من الكوارث يعد مساراً طويلاً تتطلب مراحله اللاحقة تكريس الكثير من الاهتمام والدعم. كما يتعين على الجهات المؤسسية المانحة النظر في إعداد استراتيجية للعطاء المحدد بالوقت من شأنها ليس فقط تقديم الدعم في وقت مبكر من وقوع الكارثة، بل مواصلة تقديمه طوال فترة التعافي.

Time Released Disaster Philanthropy Ar

يترتب على الكوارث عواقب شاملة وواسعة النطاق قد لا تكون دائماً ظاهرة للعيان لأسابيع أو حتى لأشهر عدة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي الفيضانات والعواصف إلى التشرد لفترات ممتدة، الأمر الذي قد يتسبب بتداعيات من بينها التغيب عن المدارس، والضغوط على الصحة العقلية، والهجرة القسرية. في الوقت ذاته، قد تحدث الأزمات الصحية مثل الأوبئة والجوائح العالمية على هيئة موجات، وقد تسبب الموجتين الثانية والثالثة إرهاقاً أكبر من الموجة الأولى.

كما قد تؤدي خسارة الوظائف وسُبل العيش إلى تدهور اقتصادي قد يصعُب عكسه. ويمكن أن يستغرق الأمر فترة أطول لمعالجة الآثار الاجتماعية المترتبة على الأزمات، مثل ارتفاع معدلات العنف الأسري، وانخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل، وتبني أساليب التكيف السلبية، كتعاطي المخدرات والكحول.

 وعلى الرغم من الحاجة إلى توفير الدعم في مرحلة ما بعد الأزمة، إلا أنه قد جرى تخصيص ما تقدر نسبته بـ بالمئة من العمل الخيري الممول من المؤسسات في حالات الكوارث لجهود التعافي خلال عام .2019 وعلى غرار وقف جرعة علاجية من المضادات الحيوية في وقت مبكر، فإن إنهاء التمويل في وقت سابق لأوانه من شأنه عرقلة جهود التعافي والتسبب في تفاقم التحديات الاجتماعية المتنامية. ويمكن للجهات المؤسسية المانحة تجنب ذلك من خلال تحسين سُبل تقسيم الإغاثة في حالات الكوارث الممنوحة على المديين القصير والطويل.


 

إدارة المنح أثناء الكوارث

من الصعب التنبؤ بالأزمات، التي قد تخلق أيضاً احتياجاتٍ هائلة بين عشية وضحاها. ولهذا السبب، قد تختلف السياسات المتبعة لتمويل الكوارث عن الممارسات المعتادة. من هنا يتعين على الجهات المؤسسية المانحة مراعاة تطبيق السياسة الأفضل لإدارة المنح أثناء الاستجابة للكوارث، التي تراعي القواعد الخمسة الأساسية (The five F’s) وهي:

  • السرعة (Fast). تعجيل ترسية العقود لتقليل التأخير في نقل الموارد إلى أقصى حد ممكن.
  • التيسير (Facilitate). تبسيط عملياتك الخاصة بطلبات الحصول على المنح.
  • المرونة (Flexible). السماح للجهات المتلقية للمنح باستخدام التمويل بمرونة أثناء تطور الأوضاع بشكل سريع.
  • الإفصاح التام (Full disclosure). تبادل المعلومات حول الهبات التي تقدمها لتجنب ازدواجية الجهود.
  • استشراف المستقبل (Forward Looking). دعم جهود التخفيف من المخاطر والتأهب للمستقبل.
The Five F Of Disaster Philanthrophy Ar

1. السرعة

يستند تقديم المنح في الظروف الاعتيادية إلى نطاقات عمل محكمة التنظيم، ومجموعات قوية من مقدمي الطلبات المؤهلين والمق َّيمين، فضلاً عن وضع جداول زمنية واسعة لترسية العقود. أما أثناء الأزمات، يصبح الوقت جوهر المسألة، ولا يمكن لجهود الإغاثة السريعة الاستناد إلى عمليات تسيير العمل على النحو المعتاد والتي يستغرق تنفيذها فترات طويلة. ولذلك يتعين على الجهات المؤسسية المانحة تبسيط إجراءاتها الداخلية مؤقتا، إذ أن تنفيذ العملية في الوقت المناسب خلال الأزمة هو الإجراء الأفضل مثلما هو الحال مع تنفيذ عملية متميزة خلال الظروف الاعتيادية. ومن سبل تعجيل ترسية العقود تخفيض الوقت وعدد الأفراد المطلوب منهم مراجعة المقترحات أو تخفيض النصاب المطلوب من مقدمي الطلبات. وتمتلك المنظمات غير الربحية العادية ثلاثة أشهر فقط من الاحتياطيات النقدية. لكن الطلب على خدماتها يتضاعف تصاعدياً عند حدوث أزمة، في حين تنخفض المدفوعات المخصصة لهذه الخدمات بشكل حاد، مما يشكل ضغوطا على رأسمالها التشغيلي المحدود بالفعل. ويمكن لتعجيل ترسية العقود خلال الكوارث أن يساهم في توفير رأس المال اللازم بشدة للمنظمات في الخطوط الأمامية.

2. التيسير

في الظروف الاعتيادية، يقدم المتقدمون للحصول على المنح الوثائق المطلوبة قبل فترة طويلة من إجراء عمليتي الاختيار وبذل العناية الواجبة. كما تتمثل الممارسات المتبعة في اشتراط الحصول على التقارير من الجهات المتلقية للمنح طيلة مرحلة ترسية العقود. بيد أنه في أوقات الأزمات، تؤدي هذه الاشتراطات إلى الاستقطاع من الوقت القيّم المتاح للموظفين والذي يمكن تكريسه خلافاً لذلك في الاستجابة لحالات الكوارث. لذا من الأهمية بمكان أن يقتصر مقدمو المنح على الضروريات أو يأجلوا هذه الاشتراطات، وذلك حتى تتمكن المنظمات المجتمعية من التقدم بطلب للحصول على المنح وتيسير إدارتها. ويشير التيسير إلى اتخاذ إجراءات مبسطة تسمح للجهات المتلقية للمنح بتوجيه القسط الوافر من وقتها للتصدي للمسائل العاجلة المطروحة.

ولا يعني ذلك بالضرورة أنه يجب التغاضي عن اشتراطات بذل العناية الواجبة والتعلم وتقديم التقارير، أو التضحية بالجودة، بل يتعين على مقدمي المنح تقييم المسائل الضرورية الفعلية والتركيز عليها. وقد يساهم إعداد مصفوفة لتحديد المسائل المهمة والعاجلة في تحقيق هذا الغرض، حيث تقوم الجهة المقدمة للمنحة بإعداد قوائم بجميع الإجراءات والاشتراطات اللازمة لعملية تقديم المنح الخاصة بها، يليها وضع علامة توضح ما إذا كًانت مهمة أو غير مهمة، ثم تصنيفها باعتبارها مسألة عاجلة أو غير عاجلة. وعليه، يتعين التوجه فوراً لإنجاز البنود المهمة في حين يمكن تأجيل البنود المهمة وغير العاجلة إلى أن تخف حدة الأزمة. ويمكن استبعاد البنود غير المهمة تماماً من عملية تقديم المنح للاستجابة لحالات الكوارث.

على سبيل المثال، قد تحتل عملية مهمة ولكنها ليست عاجلة بالضرورة، مثل استطلاع الرأي عن مستوى رضا الجهات المستفيدة، المرتبة الثانية في قائمة الأولويات للسماح للجهة المتلقية للمنحة بالاضطلاع بعملية عاجلة ومهمة مثل تقديم الرعاية الطبية الطارئة للمئات من أفراد المجتمع. ويمكن دائماص تلبية الاشتراطات المهمة وغير العاجلة في وقت لاحق من دورة تقديم المنح.

Employ An Urgent Important Matrix Ar

3. المرونة

يعد تقييد أموال المنح لاستخدامها فقط في نفقات محددة تتعلًق بالبرنامج من الأمور الشائعة أثناء الظروف الاعتيادية، لكن يمكن أن يشكل اتباع هذا الإجراء عائقاً في أوقات الأزمات. وتتطور حالات الكوارث بسرعة فائقة وتتطلب استجابات سريعة يسهل تحقيقها من خلال توفير التمويل المرن. ويتيح التمويل المرن توزيع المنح عبر برامج المؤسسة، بما في ذلك تغطية النفقات العامة. وفي حال تم تقديم منحة لإعداد برنامج جديد قبل وقوع الكارثة، فإن سياسات التمويل المرن يمكن أن تسمح بتحويل التمويل المتعهد به بعيداً عن مقصده الأصلي نحو تحقيق الاستجابة لحالات الكوارث الأشد إلحاحاً وتمثل الهبات النقدية المورد الأكثر مرونة الذي يمكن توزيعه أثناء الأزمات. وربما يترتب على الهبات العينية تحديات لوجستية، لا سيما أثناء وقوع الكوارث الطبيعية. فقد تستغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى مقصدها، وفي غضون ذلك، ربما تتغير الاحتياجات مما يجعلها غير مجدية. بالإضافة إلى ذلك، قد تُلحق الهبات العينية التي تتدفق على الأسواق المحلية من الخارج أضراراً بالاقتصادات الهشة بالفعل وترعى الجهات المؤسسية المانحة بانتظام المؤسسات المجتمعية، التي تحصل في ظل الظروف الاعتيادية على أقساط دورية على مدار السنة.  وفي حال كانت هذه المؤسسات ذات صلة أيضاً في حالات الكوارث، يمكن للجهات المؤسسية المانحة النظر في تركيز صرف تبرعاتها السنوية مقدم ًا لتتمكن الجهات المتلقية للمنح من الاستجابة للكارثة بأي طريقة تتراءى لها.

4. الإفصاح التام

يجرى تنفيذ العطاء وقت الأزمة بوتيرة سريعة. ومن دون وجود معلومات واضحة بشأن الاحتياجات وتوافر التمويل وتحويل الهبات، فإن هذا الاندفاع حسن النية ربما يؤدي إلى ازدواجية الجهود أو التوزيع دون المستوى الأمثل للجهود والموارد. وفي أسوأ السيناريوهات، تهبط كميات هائلة من الهبات المقدمة من المانحين على مجموعة صغيرة من المنظمات المعروفة أو يتركز التمويل بشكل غير متناسب على عدد قليل من المجالات الموضوعية، تارك ًا غيرها من دون تلبية. ويساهم تبادل المعلومات بشأن مجالات تدفق التمويل في ضمان تقديم الهبات للجهات والقضايا التي هي في أمس الحاجة إليها. وحتى بالنسبة إلى أمر بسيط مثل مشاركة جدول بيانات بين الجهات المانحة أو المتعاونين من الأقران، فإنه يساعد في ضمان توزيع الدعم المالي بالتساوي بين الجهات المتلقية للمنح وجوانب الاحتياج.

5. استشراف المستقبل

تتكرر الأزمات الإنسانية عاماً بعد الآخر في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من ذلك، فإن أقل من 2 بالمئة من الإنفاق المؤسسي الخيري مخصص للأنشطة التطلعية مثل الاستعداد للكوارث، والتخفيف من حدة المخاطر، وبناء القدرة على الصمود. وفي حين أن الحكومات ملزمة بأن تكون أول المستجيبين، يمكن للعمل الخيري توفير الدعم اللازم لمواجهة دورة الحياة الكاملة للاستجابة للكوارث.

كما يشمل دعم الأنشطة التطلعية تكريس بعض الوقت للتفكير في العمليات الداخلية. فتكريس الوقت والجهد مباشر ًة بعد دورة تقديم المنح لإجراء استعراض لاحق هو طريقة جيدة لاستخلاص الدروس المستفادة وتحسين تقديم المنح في وقت الأزمات.