لا شك أن أبرز وأهم إنجازات "حكمت للسلامة المرورية" هو أن المبادرة تساهم حقاً في إنقاذ الأرواح. وكما تم ذكره أعلاه، فمنذ أن انطلقت المبادرة ولغاية العام 2016 شهد الأردن تراجعاً في معدل الوفيات الناجمة عن الحوادث المرورية بنسبة 50 بالمئة. ولو أن مجموعة عوامل مساندة أخرى قد ساهمت في خفض أعداد الإصابات، مثل دعم الجهات الحكومية، ليس هناك من شك في أن "حكمت للسلامة المرورية" قد أدت دوراً مهماً في إحداث التغيير. كما بدأ يتضح أن الجمهور يتجاوب مع الحملات، وأن جهود ماهر قدورة باتت معروفة وتحظى بالتقدير.
يبدو أن أسلوب عمل المبادرة في تحديد أخطر 265 منطقة مدرسية من جهة عدد حوادث المرور، والتعامل مع هذه المواقع، كان فعالاً. ويقول قدورة: "منذ أن صححنا الوضع في المناطق المدرسية الأكثر عرضة للحوادث الخطرة انخفضت وتيرة وحدّة الحوادث الإجمالية بشكل كبير. وهذا دليل على أن المناطق المدرسية الأخرى هي بالفعل أقل عرضة للحوادث الخطرة [مقارنة بالـ 265 منطقة التي استهدفناها]".
كما يبدو أن جهود المبادرة لرفع مستوى السلامة المرورية في أخطر مواقع مدرسية تؤتي ثماراً طويلة الأمد. إذ أنه بعد انقضاء ما يقارب عقداً من الزمن على إكمال المبادرة أعمالها في ثلاثة مواقع مدرسية كشفت البيانات المرورية المتعلقة بها أن أي منها لم يشهد أي حادث مرور يذكر بعد التحسينات، حسب ما يفيد به أبو خليل.
تشكل التدخلات التي تقوم بها المبادرة ما يشبه المخطط لنماذج عمل فعالة ومجدية من ناحية التكلفة يمكن للجهات الحكومية أو الفاعلين الآخرين توسيع نطاقها.
من الأمثلة على هذا، كانت تكلفة تجهيز وتحسين أول مئة ملعب للأطفال تعادل 500 دولار أميركي للملعب الواحد؛ وبعد نجاح هذا العمل في تحقيق هدفه تمكن فريق عمل المبادرة من التفرغ لإعادة النظر في تصاميم الإنشاءات وإجراء تعديلات عليها أدت إلى خفض في كمية المواد المستخدمة، وفي عمليتي التصنيع والنقل، كان حصيلتها تحقيق وفورات بقيمة 200 دولار أميركي في كلفة تحسين كل ملعب إضافي واحد.
كما ساعد هذا العمل المبادرة على الحصول على التمويل المطلوب لتحسين بقية الملاعب برعاية الشركات والمانحين الأفراد.
- جذب مشاركة المجتمع المحلي
بغض النظر عن النتائج المحققة بالأرقام، لاحظ فريق عمل المبادرة تغيراً واضحاً من جهة تفاعل المجتمع المحلي مع موضوع السلامة المرورية ومشاركته في أنشطة المبادرة. ويوضح أبو خليل بقوله: "نعتبره ضمن نجاحاتنا أن يبدي المجتمع المحلي اهتماماً بالموضوع".
ويضيف قائلاً بأن العشرات من الشباب الذين لم يبدوا في الماضي أي اهتمام بالسلامة المرورية انضموا اليوم إلى المبادرة بصفة متطوعين في تنفيذ البرامج. وهناك أيضاً غيرهم ممن يشاركون آراءهم على مواقع التواصل الاجتماعي والأكثر من ذلك، هو أن مجموعات من الشباب باتت تباشر بمشاريعها في مجال السلامة المرورية، وهم يتصلون بالمبادرة للمشاركة فيها والتعلم منها.
التعامل مع التحديات
لم يكن مسار قصة نجاح مبادرة "حكمت للسلامة المرورية" سالكاً بسهولة على الدوام. فقد توجب على قدورة وفريقه أن يتعلموا من التحديات ويتأقلموا مع الظروف المتغيرة. وكانت المحاولات المبكرة للدفع بقضية السلامة المرورية إلى صدارة القضايا الوطنية، والتي ركزت على المعدلات العالية لضحايا المرور، قد قصرت عن تحقيق هدفها بكسب الرأي العام والحث على تغيير السلوكيات. وقد عمدت المبادرة إثر ذلك إلى تعديل أسلوبها في التواصل واتخذت منحىً أكثر إيجابية من جهة تركيزها على الصورة الحسنة التي أحدثتها أعمالها في المدارس وتوفيرها لمستوى عالٍ من السلامة للأطفال - ما ساعدها على كسب المصداقية والدعم على المستوى الشعبي.
ويقول قدورة: "حصلت على مزيد من الدعم عندما عرضت أحد حلولنا على أرض الواقع. اتخذنا مدرسة واحدة كنموذج، وعرضنا بالصور الوضع ما قبل وما بعد إجراء التحسينات".
وبعد نشره لهذا التقرير المصور على جمهور أكبر بدأت مبادرته تكتسب سمعة أوسع ومصداقية أكبر، ما جعلها تحدث أثراً أعمق من السابق.
وعلى الرغم من هذه النجاحات، لاقت المبادرة بعض التحديات الكبيرة. ففي أعقاب انتفاضة "الربيع العربي" تراجع اهتمام الحكومة والمانحين الآخرين في السلامة المرورية بعد أن أعادوا تقييم أولوياتهم لشؤون أكثر الحاحاً، مثل التعليم وخلق فرص عمل جديدة.
لكن مؤخراً عاد الوضع للتحسن مرة أخرى، وبدأت الحكومة بتطوير استراتيجية وطنية لرفع مستوى السلامة المرورية بمساهمة من "مركز التميز للسلامة المرورية". استخلص فريق عمل المبادرة العبر من هذه التغييرات في البيئة التنظيمية، وأدرك أهمية أن يكون الفريق مرناً وقادراً على التأقلم وتطويع نهجه وبرامجه لتنسجم مع سياق الظروف.
من ناحية أخرى، يدرك فريق عمل المبادرة تماماً أنه حتى مع توفر الدعم الحكومي، فمن المستبعد إحراز تقدم كبير في السلامة المرورية إذا لم يتم إنفاذ قوانين المرور بشكل حازم. ويؤكد قدورة بقوله: "إنني مقتنع تماماً بأن إنفاذ القانون هو عامل رئيسي في بناء السلوكيات السليمة على الطريق، هذا فضلاً عن الأمور الداعمة مثل أنشطة التوعية، وتحسينات البنية التحتية مثل لافتات الطرق".
وتعطي مريم العزة، المدير العام لمركز التميز للسلامة المرورية، مثالاً على ذلك، فتقول: "لدينا قاعدة مرورية تقتضي بضرورة عبور المشاة الشارع من التقاطع الخاص بهم، لكن لا تتم معاقبة المخالفين لهذه القاعدة، ونتيجة لذلك يبقى الوضع في الشوارع غير منظم".
لكن من ناحية أخرى فإن تحسين عملية تطبيق وإنفاذ القانون بحد ذاتها ليست بالمسألة السهلة، وهي تتطلب التنسيق القوي بين عدة دوائر حكومية سعياً لتطوير إجراءات الإنفاذ.
الخطوات القادمة
بالنسبة للمستقبل القريب، تنظر مبادرة "حكمت للسلامة المرورية" في الأساليب المتاحة للنفاذ إلى الأطفال والشباب، مثل حملات التوعية والسلامة. وعلى سبيل المثال، وضعت المبادرة في العام 2017 خطة لتدريب 2,000 سائق شاب على أساليب تجنب اصطدام السيارات على الطرق، بالإضافة إلى تدريب 5,000 طفل على النهج السليم لعبور الشارع. كما ينظر فريق عمل المبادرة في وسائل جديدة للتفاعل مع الشباب، مثل تنظيم مسابقات لحث المدارس على دمج مبادرات السلامة المرورية في مناهجها.
وكما يقول أبو خليل: "سوف يتم توصيف بعض المدارس بالرائدة إذا نظمت أنشطة أكثر في هذا المجال". ويدرس فريق المبادرة أيضاً إمكانية إطلاق تطبيق على الإنترنت يوفر ألعاباً حول السلامة على الطريق لتوعية السائقين والمشاة.