توسيع النطاق
السبت, 27 مايو 2023
السبت, 27 مايو 2023
نيك غرونو هو الرئيس التنفيذي لصندوق الحرية، وهو أول صندوق للجهات المانحة الخاصة في العالم يتم تكريسه للتصدي للعبودية في جميع بقاع الأرض. عمل غرونو في السابق لدى مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير حكومية معنية بتسوية النزاعات ولدى مؤسسة ’ووك فري‘ حيث ساعد في إطلاق أول مؤشر عالمي للرق. ويقوم نيك حالياً بتأليف كتاب حول قيادة المنظمات غير الربحية.
تعتبر التحديات التي تتصدى لها المنظمات غير الربحية كالجوع والمرض وتغير المناخ والنزاعات المسلحة والظُلم العرقي وعدم المساواة بين الجنسين وانتهاكات حقوق الإنسان على سبيل المثال لا الحصر، من بين أصعب التحديات التي تواجهها المجتمعات. وتبدو هذه التحديات في أغلب الأحيان مستعصية لا سيما عند مقارنة حجمها بالموارد المتاحة.
ويمكننا القول أن طموحنا في صندوق الحرية، الصندوق العالمي الذي تم تأسيسه منذ تسع سنوات بهدف إنهاء العبودية المعاصرة، يفوق بكثير ميزانيتنا البالغة 27 مليون دولار وعدد موظفينا الذي يقل عن 100 شخص. فنحن نحاول التصدي لانتهاك خطير لحقوق الإنسان يعاني منه ما يقدر بنحو 50 مليون شخص على مستوى العالم ويولد مئات المليارات من الأرباح غير المشروعة سنوياً. ولإحراز تقدم ملموس كان لزاماً علينا تبني منظور مختلف حيال توسيع النطاق.
لقد قضيت الكثير من وقتي خلال الأيام الأولى في إقناع المتبرعين المحتملين بمفهوم صندوق الحرية وحثهم على تقديم استثمارات أولية من شأنها أن تسمح لنا بتحويل هذه الفكرة إلى منظمة على أرض الواقع. تحدثت عن رسالتنا المتمثلة في التصدي للعبودية وعن الخطة التي وضعناها لتحقيق ذلك وهي: جمع رأس المال الخيري واستثماره في مجموعات مركزة من منظمات القواعد الشعبية والعمل بشكل وثيق مع الشركاء لمنع العبودية المعاصرة ومكافحتها وجمع البيانات والأدلة حول أفضل السبل للحد من انتشارها.
سارع [حينها] العديد من المانحين - وهم محقون في ذلك - للسؤال عن النطاق. فقد أرادوا معرفة كيف يمكننا أن نحقق أثراً قابلاً للقياس بالنظر إلى عشرات الملايين من الناس الذين وقعوا ضحية لأشد أشكال الاستغلال.
افترض البعض أن هدفنا يمكن أن يكون - في حال أردنا أن نكون فعالين - تمويل أكبر عدد ممكن من المنظمات في أكبر عدد ممكن من بقاع العالم، بينما أصر آخرون، لا سيما أولئك الذين يتمتعون بعقلية القطاع المالي، على أن الأثر الأكبر سيتحقق عند البحث عن عدد صغير من المنظمات ذات الأداء العالي وتمويلها لتوسيع نطاق عملها بشكل هائل.
لم يقتنع هؤلاء المانحين حتماً بنهجنا المتمثل في الاستثمار المستمر والطويل الأجل وبناء صلة وثيقة بمجموعات صغيرة تتم قيادتها محلياً، حتى أن أحد الأثرياء الذي يدير صندوق تحوط أخبرني ذات يوم على العشاء: "لا أعتقد أن نموذجك هذا سينجح".
لكن لا بد أننا قد قمنا بشيء صحيح، لأن عدداً كافياً من المحسنين وروّاد العطاء هؤلاء، ومن بينهم الملياردير صاحب صندوق التحوّط، كانوا على استعداد للتغاضي عن شكوكهم ومنحنا شيكات بملايين الدولارات.
"لا يحقق جزء كبير من النقاش حول النطاق في القطاع غير الربحي الغرض منه لأنه مستمد من عالم الأعمال".
لا يحقق جزء كبير من النقاش حول النطاق في القطاع غير الربحي الغرض منه لأنه مستمد من عالم الأعمال. فالهدف الرئيسي الذي تسعى لتحقيقه شركة طموحة هو كسب أقصى قدر ممكن من العوائد المالية - وفي حال كان لديها أهداف أخرى، فإنها تأتي في المرتبة الثانية.
وفي معظم الحالات، يتمثل الهدف في تحقيق النمو الهائل والسيطرة على القطاع لزيادة الأرباح مع تخفيض التكاليف الهامشية. في المقابل، يجب أن يكون الهدف العام للمنظمة غير الربحية هو تحقيق أقصى قدر ممكن من التأثير للوصول إلى الهدف.
إن النمو الهائل للمنظمات غير الربحية ليس بالضرورة أفضل طريقة لتحقيق أهدافها. بل في واقع الأمر يمكن أن يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية، لأنها - بخلاف الأنشطة التجارية - لا تكسب دخلاً وإنما عليها إقناع المانحين بتقديم هذا الدخل لها. كما أن التكاليف الهامشية لجمع الأموال تزداد مع زيادة حجم المنظمات غير الربحية، مما يعني أن نسبة أكبر من دخلها سيتم إنفاقه على جمع الأموال، مما سيقلل من التمويل المتاح لنشاطها البرامجي.
ومن الصعب للغاية ومن غير المعتاد أن تنمو المنظمات غير الربحية بشكل كبير وفعّال في نفس الوقت، وعندما يتم ذلك، فإنها تكون في الغالب غير مستدامة على المدى الطويل.
من هنا لا بد أن يكون التركيز على تعظيم الأثر. وهناك وسيلتين فعّالتين يمكن للمنظمات غير الربحية استخدامهما لتحقيق ذلك. الأولى هي التماس الدعم من الآخرين لقضيتها، والثانية من خلال تغيير الأنظمة. وسوف تحقق المنظمات نتائج أفضل في حال تمكنت من جمع النهجين معاً، وهو بالضبط ما نسعى جاهدين للقيام به في صندوق الحرية.
فمن خلال بناء التحالفات مع الآخرين الذين يؤمنون بقضيتنا نحن نضمن أن لدينا من يشاطرنا مهمتنا الطموحة. وكلما زاد عدد المنظمات التي تعمل على إنهاء العبودية زاد التقدم الذي نحققه معاً. وهكذا يصبح التعاون جزءاً لا يتجزأ من منظمتنا وعلى جميع المستويات.
يبدأ ذلك بالهيكل الخاص بنا كصندوق تعاوني. ويوجد لدينا مجموعة صغيرة من الممولين الأسخياء، الكثيرون منهم يقدمون تمويلاً غير مقيد، كما أن عدداً منهم أعضاءٌ في مجلس إدارتنا. ومن ثم نستخدم هذه الموارد لتمويل أكثر من 120 منظمة من منظمات القواعد الشعبية التي تعمل على الخطوط الأمامية ونقوم بتحفيزها على التعاون معنا من خلال الالتزام بتوفير التمويل المتعدد السنوات وتقديم الدعم المستمر.
كما نقوم بشكل دوري بجمع الشركاء في المناطق التي تتفشى فيها العبودية المعاصرة، مما يوفر مساحة للتدريب والنقاش المشترك. علاوة على ذلك، نقدم الدعم التقني لجهود المناصرة حتى تتمكن المجموعات المختلفة من الالتقاء معاً وبناء منصة قائمة على مصالحها المشتركة ومخاطبة الحكومات بصوت واحد. فكل ذلك يعتبر أمراً جوهرياً لإحداث التغيير المطلوب في الأنظمة من أجل التصدي لأنماط الاستغلال المترسخة في عالمنا.
وقد بدأنا ندرك أن باستطاعتنا تحقيق تأثير أكبر على مستوى الأنظمة. ومثل العديد من القضايا الشائكة في يومنا هذا يتم دعم العبودية المعاصرة واستنساخها من خلال سلسلة من الأنظمة المترابطة: من الأنظمة الاقتصادية العالمية التي تشجع على إنتاج السلع الرخيصة التي يتم خلال التعامل مع العاملين على أنهم أشخاص يمكن استبدالهم بسهولة والأنظمة القانونية التي تسمح للجناة بالاتجار بالأطفال والإفلات من العقاب إلى الأنظمة الاجتماعية التي تحط من قيمة المرأة وتقوض دورها في المجتمع.
"يجب أن يكون الهدف العام للمنظمة غير الربحية هو تحقيق أقصى قدر ممكن من التأثير سعياً لتحقيق الهدف".
ويمكن أن يكون لعملنا تأثير أكبر وأطول أمداً إذا استهدفنا التحولات في الأنظمة التي تؤثر على مجموعات سكانية بأكملها بدلاً من التركيز فقط على تقديم الخدمات للأفراد. فنحن ندعم المجموعات التي تتبنى نهجاً لتغيير الأنظمة من أجل تغيير سلوك الشركات وإرساء السوابق القانونية وتغيير السياسات.
غير أن الأنظمة التي تيسّر العبودية ليست الوحيدة التي نسعى لتغييرها. فنحن نعمل أيضاً على التأثير في نظام العمل الخيري. فمن خلال العمل جنباً إلى جنب مع الصناديق التعاونية الأخرى فإننا نسعى لإثبات أن روّاد العطاء والمحسنين الذين ينتهجون التعاون والعمل الخيري القائم على الثقة كمسار لتوسيع نطاق الجهود المبذولة لديهم القدرة على دعم - وحتى تسريع – التغيير التحويلي. ولا ينيغي أن يكونوا ماكنزي سكوت للقيام بذلك.
كما تمكّن الصناديق المشتركة، فضلاً عن التعاون بين المانحين الجهات المانحة، أياً كان حجمها، من المساهمة في جهود أوسع من خلال تركيز التمويل وضمان وصوله إلى أولئك الذين سيحققون أكبر أثر ممكن.
يتعاون صندوق الحرية بشكل وثيق مع عدد من الصناديق المجمعة الشديدة التأثير التي تتصدى لمجموعة واسعة من القضايا، مثل صندوق كو-إمباكت Co-Impact وصندوق بلو ميريديان Blue Meridian وصندوق إنهاء الأمراض المهملة END Fund وصندوق لومينوس Luminos وصندوق حقوق الإنسان Fund for Global Human Rights.
وقد أظهرت دراسة جديدة أن هناك نمواً هائلاً في الصناديق التعاونية، إذ تم تأسيس ثلاثة من كل أربعة منها خلال العقد الماضي. وتتمتع هذه الصناديق بإمكانات كبيرة لم يتم استغلالها بعد: ففي حين أن الصناديق الـ 97 التي شملها استطلاع ’بريدج سبان‘ قد قدمت منحاً يتراوح مجموعها ما بين 2 و3 مليارات دولار في عام 2020، قدرت المنظمة أن هذه الصناديق قد تصرف ما يصل إلى 15 مليار دولار سنوياً مع زيادة طفيفة في عدد الموظفين. وتميل هذه المنصات إلى التركيز بشكل أكبر على المساواة والقيادة الأكثر تنوعاً وبناء الحركات بدلاً من تبني الوسائل التقليدية في العمل الخيري.
إذن كيف يبدو النطاق حتى الآن؟ جمع صندوق الحرية أكثر من 200 مليون دولار حتى اليوم. أما نحن فنحول هذه الموارد إلى شيء أكبر أضعافاً مضاعفة: تقديم الدعم العميق والطويل المدى لأكثر من 120 منظمة غير حكومية حول العالم والتأثير المباشر على أكثر من مليون شخص، والتخطيط للتأثير بشكل غير مباشر على نحو 10 ملايين آخرين. لكن ما يزال أمامنا الكثير من العمل ونحن ندرك أنه سيكون لدينا فرصة أكبر للنجاح من خلال التعاون من أجل تغيير الأنظمة التي تيسر أشد أشكال الاستغلال، ونأمل أن ينضم إلينا آخرون في هذه المهمة.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة كمدونة على موقع مركز العمل الخيري الفعال وتمت ترجمتها ومشاركتها هنا بإذن منه.
It's a good idea to use a strong password that you're not using elsewhere.
Remember password? Login here
Our content is free but you need to subscribe to unlock full access to our site.
Already subscribed? Login here